حانت يا ام ابراهيم ساعة الفراقِ لملاقاة ربك الباريَ الخلاّقِ
ودّعتْك الجموع والحناجر حزينة وبكتك من صميم القلب الأعماقِ
أتاك المودّع من كل حدبٍ وصوبٍ واجتمع من حولك كل الرفاقِ
ذاك الأجل من الإله مقدّرٌ فالروح تناجي ربها يوم التلاقي
تسجّى الجسد الطاهر بكل إيمانٍ ولم يعد ينبض قلبك الخفّاقِ
على الراحات حُمّلْت بكل محبة واعتلى النعش فوق الأعناقِ
خيّم الصمت والسكون من حولك وصدى الأنين قد ملا الآفاقِ
طبع الأحفاد قبلة فوق جبينك وامتزج أنينهم بذاك الحلم البرّاقِ
وأمي من الألم الدفين جرحها فرفيقة عمرك قد أهلكها الفراقِ
ذبلت عيونها من لظى حنينها وسال الدمع من مقلة الأحداقِ
والبكاء المرير يعتري أنينها فاحترقت العيون من دمعها الحرّاقِ
فوق راحتيها غفوت بلا عودةٍ وقلبها العليل يشكو لوعة الأشواقِ
رعتك بحنانها طوال عمرها بكل إيمان من وحي ربها الرزّاقِ
بكتك الأطيار بإشجان لحنها فذبلت الزهور وجفت الأوراقِ
وانحنت قوافي الشعر من حنينها تشكو رحيلك بلهفة العشاقِ
يا من نهلت من الشعر بحوره ونلت من العلوم طيب المذاقِ
احتضنك الوطن يوم وريت الثرى فأنارت ظلمة الرمس الثريا بانْسياقِ
أفنيت عمرك الفاني للخير معطاء ومن طيب ذكراك يكمن عمرك الباقي
وكم كنت للناس خير صديق وخير جليس للكتاب على الإطلاقِ
للصغير والكبير طاب مجلسك تدعونا للعلم والعمل بكل إنفاقِ
تنير الظلام والطريق كبدر الدجى كشمعة تذوب دونما احتراقِ
الحزم والعزم والإقدام من شيمك فللخير والعطاء كنت أول سبّاقِ
زرعت فينا الحب والعلم والتسامح وعلمتنا كيف تكون مكارم الأخلاقِ
ربيتنا ونعم من كنت لنا قدوة وفخرا للجميع لك حنيني وأشواقي
من جوامع الكلم خرج حديثك كالسهم والرصاص عند الإنطلاقِ
ومن وحي فكرك الطيب شعرك كالنهر الزلال يجري ماؤه الدفّاقِ
رغم إعياءك وأعباء دنياك عشت عمرك متأملا دون إخفاقِ
بكل عزيمةٍ وإرادةٍ وإيمانٍ قاومت العلة ولم تشكو من الإرهاقِ
هذه مشيئة الأقدار يا أبي فإلى جنات الخلد عند الواحدِ الباقي
لن ننساك ما زال الدم يجري بالعروق وسنحفظ العهد والميثاقِ
شمس الأصيل ما غابت عن أعيني ففي ذكراك ستظل كشمس الإشراقِ